الثلاثاء, 17 يونيو 2025 01:22 PM

فساد في سوريا: كيف نهبت شبكة "وقود الأصدقاء" ثروات البلاد في زمن الأزمة؟

فساد في سوريا: كيف نهبت شبكة "وقود الأصدقاء" ثروات البلاد في زمن الأزمة؟

في ذروة الأزمة الاقتصادية التي ضربت سوريا، بينما كان المواطنون يقفون في طوابير طويلة للحصول على القليل من الوقود، ظهرت تفاصيل شبكة فساد منظمة لتهريب وسرقة المشتقات النفطية، تعمل تحت اسم "مازوت وبنزين الأصدقاء". خلفت هذه الشبكة خسائر كبيرة في الاقتصاد الوطني وزادت من معاناة السوريين.

بدأت القصة في عام 2019 في حلب، حيث يُزعم أن قائد "لواء القدس"، محمد السعيد، بالتنسيق مع محافظ حلب السابق، حسين دياب، والمدير التجاري في شركة "محروقات" آنذاك، مصطفى حصوية، أطلقوا عملية واسعة لتهريب المشتقات النفطية وبيعها في السوق السوداء. تم الحصول على موافقات رسمية لتغطية هذه العمليات، مما سمح بإدخال كميات كبيرة من الوقود المهرب إلى حلب. بيعت هذه المشتقات بأسعار السوق السوداء، ووزعت على محطات وقود محددة تحت اسم "وقود الأصدقاء". هذا الاسم، الذي لا يحمل أي صفة رسمية، كان يحمي هذه المحطات من المساءلة القانونية والرقابة.

أصبح من المستحيل تحديد الكميات النظامية الموجودة في المحطات من تلك المهربة، مما فتح الباب لنهب منظم. لم تقتصر هذه الممارسة على حلب، بل امتدت إلى محافظات أخرى مثل حماة وحمص وريف دمشق. انخرط كبار تجار المحروقات في هذه الشبكة، حيث حصلوا على مواد نفطية مسروقة من القطاع العام وصرفوها تحت ذريعة "وقود الأصدقاء" للتهرب من الرقابة والضرائب. تزامن ذلك مع تدفق كميات كبيرة من المحروقات المهربة عبر الحدود اللبنانية، مما فاقم الأزمة.

في 5 سبتمبر 2020، عقد اجتماع في مقر شعبة المخابرات العسكرية، ضم اللواء كفاح ملحم، رئيس الشعبة، وقائد لواء القدس محمد سعيد، والمدير التجاري لشركة "محروقات". نتج عن هذا الاجتماع قرار بإصدار "قسائم" خاصة لسعيد، تسمح له بصرف كميات غير محددة من المحروقات من أي محطة وقود في البلاد. تحولت هذه القسائم إلى سلعة ثمينة في السوق السوداء، وبيعت بأسعار مرتفعة، مما حقق أرباحًا كبيرة لأفراد الشبكة.

لضمان استمرار عمل هذه المنظومة، فرض على أصحاب محطات الوقود الراغبين في الانضمام إلى شبكة "الأصدقاء" دفع مبالغ كبيرة تصل إلى 50 ألف دولار أمريكي للمحطة الواحدة. هذا المبلغ كان يضمن للمحطة الحصول على "إذن" يمكنها من حيازة وبيع المشتقات النفطية المهربة دون خوف من المحاسبة. هذه العمليات غير المشروعة ضخت أموالًا هائلة في السوق، مما أدى إلى ارتفاع كبير في سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الليرة السورية، وزاد من تدهور القوة الشرائية للمواطنين.

في عام 2020، تم إعفاء عدد من المديرين في شركة "محروقات" الذين رفضوا الانصياع لأوامر هذه الشبكة والمشاركة في الفساد. تطالب جهات رقابية مستقلة بفتح تحقيق شامل في سجلات جميع محطات الوقود التي عملت تحت اسم "وقود الأصدقاء" لتعويض الضرر الذي لحق بالخزينة العامة.

هناك حديث عن ملايين اللترات من الوقود التي دخلت البلاد كدعم من إيران و"حزب الله" تحت بند "دعم العمليات العسكرية" قبل تحرير العديد من المناطق. بعد انتهاء العمليات العسكرية، يُعتقد أن أصحاب محطات وقود متواطئين استولوا على هذه الكميات وباعوها في السوق السوداء، محققين ثروات كبيرة على حساب الدعم المخصص للمجهود الحربي.

تبقى قضية "وقود الأصدقاء" دليلًا واضحًا على عمق الفساد في الدولة السورية خلال سنوات الحرب، وكيف تحولت معاناة المواطنين إلى مصدر ثراء لشبكات منظمة من أمراء الحرب والتجار المتنفذين.

مشاركة المقال: