الإثنين, 16 يونيو 2025 10:19 PM

الماعز الشامي: كنز سوريا الزراعي المهمل.. فرص واعدة للتنمية المستدامة

نهى علي: لم تشفع تسمية الماعز الشامي ونسبته إلى بلاد الشام، لهذه الثروة الحقيقية بحظوظ وافرة من الرعاية والتنمية كما يجب، فمازال انتشار هذه السلالة "النبيلة" من الماشية على نطاق ضيّق في سوريا. والمعلوم أن الحكومات المتوالية لم تولِ اهتمامًا لهذا الصنف، على الرغم من أهميته وميزاته وعائداته المجزية، للمربين وللبلاد عمومًا.

كنز زراعي قد تكون منظمة المركز العربي لدراسات المناطق الجافّة والأراضي القاحلة ” أكساد”، وهي منظمة عربية مقرّها سوريا، الجهة صاحبة البصمة الأكثر وضوحاً في تطوير سلالة الماعز الشامي، من خلال سلسلة محطات بحثية منتشرة في العالم العربي، بما في ذلك سوريا.

•د. العبيد: الماعز الشامي يمتاز بميزات غاية في الأهميّة.. منها قدرته على التأقلم داخل وخارج الموطن الأصلي والاستجابة للتحسين الوراثي

ويرى الدكتور نصر الدين العبيد مدير عام “أكساد”، أن الماعز الشامي السوري كنز زراعي يجمع مزايا عديدة مقارنة بالسلالات المحلية الأخرى المنتشرة في الوطن العربي، بما في ذلك حجمه الكبير، إنتاجيته العالية للحليب واللحم، خصوبته المرتفعة، وتكيفه الممتاز مع الظروف البيئية القاسية، كما أن استجابته القوية لبرامج التحسين الوراثي، حيث تكللت جهود أكساد بالعديد من النجاحات والتي تجعله خيارًا مثاليًا لتعزيز الأمن الغذائي والاقتصاد الزراعي في المنطقة العربية. لذلك، يُعد الماعز الشامي كنزًا زراعيًا يستحق الاستثمار فيه لدعم التنمية المستدامة في سوريا والمنطقة العربية، حيث تشير تقارير الفاو إلى أن هذه السلالة قادرة على تحمل الحرارة العالية والجفاف، ما يجعلها أكثر مقاومة لتأثيرات التغيرات المناخية مقارنة بالسلالات المستوردة التي قد تواجه صعوبات في التكيف البيئي بالمنطقة العربية. و يوضح الدكتور العبيد في حديث لـ “الحريّة”، أنه بفضل جهود المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة (أكساد)، يتم تحسين هذه السلالة من خلال برامج التحسين الوراثي، والرعاية المتكاملة، ويعد الماعز الشامي ركيزة أساسية في الاقتصاد الزراعي، خاصة في المناطق الجافة وشبه الجافة، ما يعزز الأمن الغذائي ويدعم المربين في المنطقة العربية. كما أظهرت التجارب في المركز العربي أكساد والمحطات البحثية المتعاونة معه في دولة المقر استجابة الماعز الشامي للحلابة الألية، وهذه ميزة غير موجودة في أغلب السلالات المحلية في المنطقة العربية.

• بلغت أعداد الماعز الشامي في العام 2023 نحو (33163) رأساً حسب المجموعة الإحصائية الزراعية السنوية.. أي ما نسبته فقط 1.5% من أعداد الماعز في سوريا (2.19 مليون رأس)

شامي المنشأ نشأ الماعز الشامي في بلاد الشام، وتحديدًا في منطقة غوطة دمشق بسورية، ويتمتع هذا النوع من الماعز بأهمية اقتصادية وبيئية كبيرة، وينتمي الى مجموعة الماعز كبير الحجم، ويُعد من أشهر سلالات الماعز العربية، ويُعرف في كثير من المراجع بالماعز الدمشقي. ويلفت مدير عام ” أكساد” إلى أن الماعز الشامي يمتاز بميزات غاية في الأهميّة.. منها قدرته على التأقلم داخل وخارج الموطن الأصلي، والاستجابة للتحسين الوراثي. وأنه مقاوم الأمراض ويُعد الأفضل والأقدر تكيفاً مع ظروف المناطق الجافة. كما ترتكز أهميته إلى أنه منتج للحليب واللحم (ثنائي الغرض) في المناطق الحارة والمعتدلة. وقد بلغت أعداده في العام 2023 نحو (33163) رأساً حسب المجموعة الإحصائية الزراعية السنوية، أي ما نسبته فقط 1.5% من أعداد الماعز في سورية (2.19 مليون رأس).

خصائص يتميز الماعز الشامي وفقاً للدكتور العبيد، بمظهر خارجي فريد يعكس الجمال وتكيفه مع البيئات القاسية. فبالنسبة للحجم والجسم .. الماعز الشامي كبير الحجم نسبيًا، حيث يتراوح وزن الذكور البالغين بين 70-90 كجم، بينما تزن الإناث حوالي 50-60 كجم..و يتمتع بجسم طويل القوام وعالي القد وتناسق الأعضاء والقوائم طويلة ونحيفة جيدة التموضع. والذيل قصير متجه لأعلى والأمام غالباً واللون العسلي الغامق (الدبسي) هو الغالب والمفضل، ويوجد اللون الأسود والأبيض بنسبة قليلة (1 – 2%) وكذلك خليط بين الألوان الثلاثة. يُوصف الماعز الشامي بأنه هادئ الطبع سلس القيادة ومُعظم أفراده من دون قرون. أما الرأس والوجه.. فيمتلك رأسًا متوسط الحجم مثلثي الشكل مع أنف روماني بارز، وأذنين طويلتين متدليتين تساعدان في تنظيم درجة حرارة الجسم في المناخات الحارة. كما يتميز برقبة طويلة نحيفة مزودة بزائدتين (عنابتين) بطول 6 – 9 سم، وقصبة الأنف محدبة، كما يبرز الفك السفلي الى الأمام بشكل واضح ليكون صفة الفك الأكزم، والعينان واسعتان وبياضهما واضح، ما يعكس صحة الحيوان. وبالنسبة للضرع والخصائص التناسلية.. تتميز الإناث بضرع ضخم إسفنجي يعزز إنتاج الحليب، بينما تُعرف الذكور (التيوس) بنشاطها التناسلي العالي، رغم أنه موسمي. يبدأ موسم التناسل عند الماعز الشامي في شهر تموز (يوليو) ويصل ذروته في شهر أيلول (سبتمبر)، ويتميز بالولادات التوءمية إذ يصل عدد المواليد في البطن بين 1.2 الى 1.7 مولود وأحياناً أعلى من ذلك كما في قطيع الماعز الشامي بمحطة بحوث ازرع في درعا التابعة للمركز العربي أكساد.

الحليب واللحم ونصل إلى إنتاج الحليب وهو الاعتبار المهم.. هنا يشير د. العبيد إلى أن الماعز الشامي يُعرف بحليبه الغني بالجودة العالية، ما يجعله مفضلاً لإنتاج الألبان ومشتقاتها مثل الجبن، دراسات أجراها مركز أكساد أظهرت أن إنتاج الحليب الكلي يمكن التنبؤ به بناءً على عوامل مثل وزن العنزة، نوع الولادة، ووزن البطن عند الميلاد. أما بالنسبة لإنتاج اللحم.. فيتميز الماعز الشامي بمعدل نمو سريع، حيث يمكن للجديان الذكور أن تصل إلى وزن 50 كجم خلال 6 أشهر مع عليقة تسمين متزنة تحتوي على 14% بروتين. نسبة التصافي (اللحم الصافي) تتراوح بين 55-57%. وتتمتع الإناث بمعدلات خصوبة مرتفعة، مع قدرة على إنتاج التوائم، ما يعزز الإنتاجية الاقتصادية، هذه الصفة جعلت الماعز الشامي محط اهتمام برامج التحسين الوراثي. وقد خلصت الدراسات إلى أن هذه الخصائص تجعل الماعز الشامي مناسبًا للتربية في بيئات متنوعة، ويمكن نشره من الصحارى القاحلة إلى المراعي الخضراء، ما يعزز شعبيته بين المزارعين. كما يُعتبر الماعز الشامي جزءًا من التراث الزراعي في سورية، ودعمه يساهم في الحفاظ على الاقتصادات المحلية وطرق الحياة التقليدية.

• يقوم ” أكساد” بتوزيع ذكور الماعز الشامي المحسنة وراثيًا على المربين لتعزيز الصفات المرغوبة في القطعان المحلية في الدول العربية وسوريا

بصمة ” أكساد” يتحدّث مدير عام ” أكساد” عن جهود المركز في تحسين إنتاجية الماعز الشامي.. مشيراً إلى أن للمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة (أكساد) دورًا رئيسيًا في تعزيز إنتاجية الماعز الشامي من خلال تنفيذ العديد من المشاريع ضمن برامج التحسين الوراثي وتحسين التغذية والرعاية الصحية والبحوث التطبيقية وتحسين دخل المربين من خلال بناء القدرات في مجال إنتاج وتصنيع الحليب، بالإضافة لتوزيع المواد الوراثية المحسنة لتهجين السلالات المحلية في دولة المقر أو الدول العربية في صورة حيوانات حية (تيوس) أو قشات سائل منوي. فبدأ مشروع التحسين الوراثي ورعاية الماعز الشامي عام 1993، في محطة بحوث المركز العربي أكساد بإزرع بمحافظة درعا، إذ تم انتخاب الأفراد المُتميزة لتكوين قطيع النواة بغرض إكثاره، ونشر تراكيبه الوراثية المُحسنة في الدول العربية، واستطاع أكساد تحقيق نتائج متقدمة ساهمت في تحسين السلالات المحلية للماعز في الدول العربية ودولة المقر. ونتيجة أعمال التحسين الوراثي ارتفع متوسط إنتاج الحليب من 170 كغ عام 1993، إلى 496 كغ في عام 2024 بنسبة زيادة (192%)، وزاد طول فترة إدرار الحليب من 93 يوم الى 196 يوماً بنسبة زيادة بلغت (111%)، وتحسنت نسبة التوائم من 39% إلى 77% بنسبة زيادة (97%)، وارتفع وزن المواليد من 3.4 كغ الى 4.8 كغ بنسبة تحسين (41%)، وزاد وزن الفطام في عمر ثلاث أشهر من 18.6 كغ الى 22.1 كغ بنسبة تحسين وراثي بلغ نحو (19%).

تحسين الرعاية ويركز أكساد على تحسين ظروف معيشة الماعز من خلال توفير تغذية متوازنة ورعاية صحية، بالإضافة إلى إدارة فعالة للقطعان. هذه الجهود ساهمت في تقليل معدلات النفوق وزيادة الإنتاجية. تشكل تغذية الحيوان أكثر من 70% من تكاليف تربية الحيوانات الزراعية، فبذل أكساد مجهودات كبيرة لتقليل هذه التكلفة ولسد الفجوة العلفية والتي تراوحت بين 80 – 100 مليون طن مادة جافة في الوطن العربي، وفي دولة المقر سورية بنحو 3 ملايين طن مادة جافة، وذلك من خلال تطوير مصادر أعلاف غير تقليدية وتحسين القيمة الغذائية فيزيائياً وكيميائياً للمخلفات الزراعية والتي تُشكل المصدر الأساسي لعلف الحيوانات في أغلب الدول العربية. حيث قام بتصميم ٱلة لتصنيع المخلفات الزراعية في شكل مكعبات وتم توزيعها لعدد من الدول العربية مثل السودان وقطر وتونس. كذلك أهتم المركز العربي أكساد خلال السنوات الأربع الماضية بنشر زراعة الصبار الأملس في عدد من الدول العربية مثل جمهورية مصر والمملكة الأردنية بالإضافة لدولة المقر، لما له من فوائد في التكيف مع التغيرات المناخية (علف للحيوان) والتخفيف من أثر التغيرات المناخية (تقليل الغازات المنبعثة من الحبوان)، وتقليل ٱثار الحرائق والقيمة الغذائية والتصنيعية لثماره.

مصدر دخل بذل أكساد مجهودات مُقدرة من خلال تنفيذ الكثير من مشاريع تحسين سُبل كسب العيش وتمكين الشباب والمرأة الريفية من خلال بناء القدرات في مجال إضافة قيمة لمنتجات حليب الماعز بالتصنيع وتخطيط عمليات التسويق لدعم المربين اقتصاديًا. وقد انعكست هذا العمل في تحسين الدخل وزيادة قدرة المربين على التكيف مع التغيرات المناخية. ويقوم المركز بتوزيع ذكور الماعز الشامي المحسنة وراثيًا على المربين لتعزيز الصفات المرغوبة في القطعان المحلية في الدول العربية ودولة المقر، حيث إنه من خلال نتائج دراسات عمليات التحسين الوراثي باستخدام نظام التربية و التهجين الموجه للسلالات المحلية بالماعز الشامي من محطات أكساد تحت إشراف خبراء التحسين الوراثي باكساد. وقد زود المركز الدول العربية بأكثر من (22) الفاً من الماعز الشامي والأغنام العواس المحسنة خلال الفترة السابقة وكان لدولة المقر النصيب الأكبر. وامتلك المركز العربي أكساد بنية تحتية كبيرة من مخابر التقانة الحيوية والتلقيح الاصطناعي ونقل الأجنة وذلك لتعظيم الفائدة من المواد الوراثية المحسنة التي يمتلكها، بالإضافة لخبرة فنية متميزة في مجال تحسين وحفظ الموارد الوراثية الحيوانية. كما يعد أكساد بيت خبرة عربية الأكثر تأهيلاً لتقديم الدعم الفني للدول العربية في مجال حفظ الموارد الوراثية الحيوانية بالتجميد في بنوك جينات في الدول العربية الراغبة. و زود اكساد الدول العربية خلال السنوات القليلة الماضية بأكثر من (37) ألف قشة سائل منوي ساهمت بصورة كبيرة في تحسين إنتاجية سلالات الماعز المحلي في هذه الدول.

أخبار سوريا الوطن١-الحرية

مشاركة المقال: