الأربعاء, 18 يونيو 2025 02:34 AM

جبل الزاوية في إدلب يئن تحت وطأة العطش: أزمة مياه حادة تهدد حياة السكان

جبل الزاوية في إدلب يئن تحت وطأة العطش: أزمة مياه حادة تهدد حياة السكان

في منزلٍ مهدّم نصفه، ونصفه الآخر بالكاد يصلح للسكن، تجلس أم محمد وسط أدوات مطبخها الفارغة. يداها المتشققتان تشبهان أرضًا عطشى نُزعت منها الحياة، وعيناها الشاحبتان تعكسان تعبًا عمره سنوات، زاده العطش وقسوة الصيف. تقول بصوت مرتجف: “المي ما بقت توصل، وأحيانًا مننطر أربعة أيام أو أكتر حتى يمر صهريج… وسعره نار! والله ما عاد نعرف نعيش”. وتتابع بمرارة: “المي صارت حلم، وصار لازم نسجّل دور، وإذا ما عندك واسطة، ما بتشرب”.

المأساة لا تقف عند أم محمد. ففي قرية إبلين، إحدى قرى جبل الزاوية، يصف خالد علوش الواقع بكلمات لا تخلو من الغضب، ويقول لمنصة : “نحن في جبل الزاوية نعاني من شحّ مائي خانق.” ويشير إلى الارتفاع الجنوني في أسعار صهاريج المياه، حيث يتراوح سعر الصهريج الواحد بين 500 و700 ليرة تركية، وذلك تبعًا للمسافة. ويضيف: “بعد عودة السكان من مخيمات النزوح القسري، عقب تهجيرهم بفعل براميل النظام، فوجئوا بانعدام البنية التحتية وانقطاع مصادر المياه”، مشيراً إلى اعتماد السكان في السابق على المياه السطحية.

ويبين أنّ “الجفاف المتراكم خفّض منسوب المياه إلى النصف، كما جفّت بعض الآبار، وأصبح معدل الضخ لا يتجاوز نصف ساعة في اليوم، بعد أن كان يغطي ساعات النهار كاملة”.

مياه إدلب: واقع صعب واستجابة محدودة

في تعليقه على أزمة مياه الشرب في جبل الزاوية، قال المهندس عيسى أحمد كبيش، مدير الدراسات في المؤسسة العامة لمياه إدلب، لمنصة سوريا 24: “المنطقة تضم 38 بلدة، كانت تُغذّى سابقًا من خلال منظومة محطات مياه مشروع اللج، والتي شكّلت في السابق عنصرًا محوريًا في البنية التحتية المائية لمحافظة إدلب”. وأوضح أن هذه المنظومة خرجت عن الخدمة منذ عام 2013 نتيجة الاستهداف الممنهج من قبل النظام السابق، ما أدى إلى توقف المحطات وتعطّل الشبكات.

ورغم محدودية الإمكانيات، أشار إلى أن المؤسسة تعمل حاليًا على إعادة تأهيل هذه البنى التحتية وتحسين أداء الأنظمة، من خلال الاعتماد على تقنيات تشغيل حديثة. وأضاف أن المؤسسة رفعت تقارير مفصّلة إلى الجهات المانحة والمنظمات الدولية، تتضمن عرضًا شاملًا لواقع المياه في المنطقة وسبل تحسينه. كما نوّه إلى أن وفودًا من هذه المنظمات أجرت زيارات ميدانية، قدّمت خلالها تقييمات فنية ومالية دقيقة، ويتم حاليًا التنسيق مع منظمات حصلت على تمويل فعلي، بهدف تسريع وتيرة إعادة التأهيل.

وفيما يخص أولويات العمل، بيّن المهندس عيسى أن المؤسسة تركّز في هذه المرحلة على إعادة تأهيل محطات مياه عين الزرقا، باعتبارها مشروعًا استراتيجيًا حيويًا للمنطقة. وإلى جانب ذلك، تسعى المؤسسة إلى تطبيق معايير الكفاءة في إدارة الموارد المائية، بما يعزز الاستدامة ويقلّل من الهدر. كذلك، تواصل الفرق الهندسية استكمال الأعمال الفنية والهندسية اللازمة لإعادة تشغيل المحطات المتوقفة، بحسب المسؤول المحلي، بالتوازي مع الجهود الجارية لمعالجة آثار الحرب على المنظومات المائية، سواء من حيث الأضرار الهيكلية أو الأعطال التقنية.

وختم حديثه بتأكيد التزام المؤسسة الكامل تجاه الأهالي، قائلًا: “لن ندّخر جهدًا في تأمين مياه الشرب وتحسين الخدمة، وسنواصل العمل لإعادة الحياة إلى المشاريع الحيوية، بما يسهم في التخفيف عن السكان وتعزيز فرص العودة الكريمة”.

الماء… حق لا رفاهية

معاناة الأهالي في جبل الزاوية لا تتعلّق بالأسعار فقط، بل تتصل بالكرامة والعيش اليومي. الماء ليس ترفًا، بل حقٌ أساسيّ. وحتى تعود المنظومات إلى العمل، سيبقى كل برميل ماء عبئًا ماديًا ونفسيًا..”المي مو للغني بس، المي للجميع”… تقولها أم محمد، وهي تمسح جبينها بيد أنهكها الانتظار.

مشاركة المقال: