السبت, 21 يونيو 2025 12:32 PM

درعا: سكان يبيعون أراضيهم بأسعار زهيدة لإعادة بناء منازلهم المدمرة في ظل غياب خطط الإعمار

درعا: سكان يبيعون أراضيهم بأسعار زهيدة لإعادة بناء منازلهم المدمرة في ظل غياب خطط الإعمار

مؤيد الأشقر – درعا

في حي المنشية بـ درعا البلد، يقف عيسى بجبوج أمام منزله الذي تقلص إلى طابق واحد بعد أن كان ثلاثة طوابق دمرتها الحرب. وكحال العديد من سكان المنطقة الجنوبية في سوريا، اضطر “بجبوج” لاتخاذ قرار بيع جزء من أرضه الزراعية في منطقة المفطرة، وهو قرار كان يؤجله لسنوات. باع خمسة دونمات بسعر أقل من قيمتها السوقية، ليتمكن من إعادة بناء سقف لمنزله، كما قال.

غياب خطة حكومية للإعمار

يقول “بجبوج” لنورث برس: “بعت الدونم بـ 12 ألف دولار، بينما سعره الحقيقي يتجاوز 20 ألفاً، لكن الحاجة كانت ملحة. لم يكن لدي خيار آخر”. وأشار إلى أن العديد من سكان محافظة درعا، جنوبي سوريا، يضطرون لبيع أراضيهم الزراعية أو العقارية، حتى تلك التي يُتوقع أن تشهد توسعاً عمرانياً، لترميم منازلهم المدمرة بسبب الحرب، في ظل غياب الدعم الحكومي وارتفاع تكاليف الإعمار. وأضاف: “حتى بعد البيع، لم أستطع استكمال تشطيب المنزل وتأثيثه، حيث بلغت كلفة بناء طابق واحد حوالي 50 ألف دولار”.

ويرى سكان محليون أن بيع الأراضي أصبح الحل الأخير لتأمين تكاليف البناء المرتفعة، خاصة مع غياب فرص العمل والجهات المانحة عن ملف إعادة الإعمار في الجنوب السوري. وعلى الرغم من مرور سنوات على توقف العمليات العسكرية، لا توجد حتى الآن خطة حكومية واضحة لإعادة إعمار المناطق المتضررة في درعا. يعتمد السكان بشكل كامل على إمكانياتهم الذاتية أو تحويلات أقاربهم في الخارج، في وقت تتدهور فيه البنية الخدمية وتغيب التسهيلات الرسمية كالقروض والمنح.

ارتفاع التكاليف واستغلال الحاجة

إلى جانب المعاناة، تبرز ظاهرة استغلال الحاجة، حيث يتحدث سكان في درعا عن سماسرة وتجار عقارات يشترون الأراضي بأقل من نصف قيمتها الحقيقية. ويشيرون إلى أن مناطق مثل المفطرة، البانوراما، والضاحية تشهد حركة بيع نشطة رغم أهميتها الاستثمارية المستقبلية.

بينما اختار عبد الرحيم الراضي، من سكان حي الأربعين، أن يواجه هذا الواقع الصعب. ويقول إنه رفض بيع قطعة أرض يملكها في منطقة البانوراما، رغم حاجته لإعادة بناء منزله. وأضاف أن “الأرض ميراث والدي، وقيمتها تتجاوز 200 ألف دولار، لكن العروض كانت بنصف المبلغ فقط، فرفضت، رغم أنني أعيش اليوم في منزل قديم مكون من غرفتين فقط”.

يشير “الراضي” إلى أنه شعر بالإهانة من العروض التي تلقاها، ويضيف: “صحيح أن المعيشة صعبة، لكن لا يمكنني التفريط بما تبقى من تاريخ عائلتي”. ويحذر سكان في درعا من أن استمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى تفشي العشوائيات وزيادة الضغط على الخدمات الأساسية، مما سيزيد من تفاقم معاناتهم ويدفع المزيد منهم إلى بيع ممتلكاتهم أو التفكير في مغادرة مدنهم وقراهم نحو المجهول.

يواجه سكان درعا معادلة قاسية: إما سقف فوق رؤوسهم، أو أرض تحت أقدامهم. وفي ظل غياب الدعم الرسمي واستمرار استغلال الضائقة المعيشية، يظل ملف إعادة الإعمار في الجنوب السوري شاهداً على معاناة لم تنته بعد.

تحرير: خلف معو

مشاركة المقال: