الجمعة, 20 يونيو 2025 04:33 PM

الثنائيات القاتلة: كيف تتحول الضحية إلى جلاد وتكرر مأساة الظلم؟

في عالم يموج بالضجيج والشعارات، تتكاثر الثنائيات القاتلة التي تدفع الناس نحو مواقف متطرفة. هذه الثنائيات ليست مجرد خطاب سياسي، بل آليات تفرض الاصطفاف الإجباري وتصادر حق الإنسان في التفكير المستقل.

عبارة "من ليس معنا فهو ضدنا"، تعبر عن عقلية تخرس الاختلاف وتشيطن الحياد. لقد دشنت هذه العبارة عصرًا من السياسات التي تسعى وراء الولاء المطلق.

الخطر الأكبر يكمن فيمن يتبنى هذه الثنائيات كرد فعل. فكم من حركات تحرر سقطت في فخ التماهي مع الجلاد! المقهور يعيد إنتاج ملامح من قهره، ويستخدم الأدوات نفسها: الاستبعاد والعنف والهيمنة.

المأزق ليس في الرد ذاته، بل في نوعيته. حين يصبح الفعل المقاوم مجرد استنساخ للعنف، فإن ما يحدث هو سقوط أخلاقي قبل أن يكون سياسيًا. أن تصبح المعركة مجرد تبادل أدوار بين جلاد وضحية، يعني أننا نستبدل السجان بسجان جديد.

كم من ثورات تحولت إلى أنظمة قمع لا تقل شراسة! لقد وقع الكثير في وهم أن الانتصار يتحقق عندما يتذوق الآخر نفس الألم الذي عشناه. لكن هذا وهم يوسع رقعة الألم.

في هذه المتاهة، يفقد الإنسان إنسانيته مرتين: مرة حين يكون ضحية، ومرة حين يتحول إلى جلاد. التحدي هو الانتصار على البنية النفسية التي تدفعنا إلى تكرار النموذج الذي ندعي مقارعته.

الرد الحقيقي يكون بتفكيك آليات العنف من جذورها، وإعادة تعريف القوة لتغدو قوة تحرير. أن تنتصر على عدوك لا يعني أن تتحول إلى صورته.

الثنائيات القاتلة تدفعنا إلى الإيمان بأن العالم حلبة مغلقة: إما أنا أو أنت. لكن العالم أكثر اتساعًا مما تراه العيون المحبوسة في سرديات الاصطفاف الحاد. هناك دومًا احتمالات تتجاوز منطق الغالب والمغلوب.

التحرر الحقيقي يبدأ حين نكسر هذه الحتميات القاتلة، وحين ندرك أن الدفاع عن الذات لا يعني أن نستلهم معجم القامع.

المعركة الأخلاقية الكبرى ليست في أن نربح الجولة، بل في أن نربح المعنى. أن ننجح في تحطيم بنية الغزو من أساسها لا أن نتفنن في إعادة تدويرها تحت شعارات جديدة.

الانتصار الذي لا يصنع عالمًا أكثر عدالة، ليس انتصارًا على الإطلاق.

مشاركة المقال: